نــظـــريات الاتـصـال والإعـــلام (الجزء الأول)
نــظـــريات الاتـصـال والإعـــلام (الجزء الأول)
يعتبر الاتصال من أهم المواضيع التي اهتم بها الكثير من الباحثين والمفكرين في بداية القرن الماضي على اختلاف تخصصاتهم، نظرا لأنه يتداخل ويشترك بين عدد من العلوم كعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، والرياضيات والفيزياء والاقتصاد والسياسة.
كانت البداية الحقيقة للاهتمام بالاتصال على أيدي علماء النفس الاجتماعي الذين درسوا تأثير وسائل الإعلام على الجمهور، إلا أنه وبسبب تطور وسائل الاتصال تعمقت الدراسات الأخرى وظهرت الكثير من النظريات المفسرة للاتصال والإعلام في عدة مجالات نفسية واجتماعية وإعلامية.
ونظراً لتطور تقنيات الاتصال التي أدت إلى اختراع وسائل الاعلام الجماهيرية والتي بدأت منذ أواخر القرن الثامن عشر بعد اختراع ماركوني للاسلكي، واختراع السينما حتى مجيء النصف الأول من القرن العشرين باختراع الراديو والتلفزيون وظهور القنوات الفضائية والاتصال التفاعلي من خلال ثورة الاتصال الإلكترونية، فقد ظهرت عدد من النظريات على مدى القرن العشرين التي تطرقت إلى تكنولوجيا الإعلام والاتصال وأهم هذه النظريات هي:
1.نظرية الحتمية التكنولوجية.
2.نظرية انتشار المبتكرات.
3- نظرية الشبكة الفاعلة.
3.نظرية الغرس الثقافي.
4.نظرية الفجوة المعرفية.
وسنتطرق لهذه النظريات بالتفصيل: (المزاهرة - 2014 - 75).
أولاً نظرية الحتمية التكنولوجية:
صاحب هذه النظرية هو "مارشال ماكلوهان " المولود في 21 يوليو 1911 في مدينة "أد مونتن بالبرنا"، كندا. والدته كانت ممثلة ووالده تاجر عقارات.
دخل ماكلوهان جامعة "مانيتوبا"وكان ينوى د راسة الهندسة ولكنه درس الأدب الإنجليزي وحصل على الماجستير في سنة 1934 وبعد أن حصل على الدكتوراه في سنة 1943 من جامعة كامبردج، درّس في عدة جامعات أمريكية ولكن منذ سنة1947 عمل أستاذا للآداب في جامعة تورنتو. وقد تبنى هذه النظرية من أستاذه المفكر والمؤرخ الاقتصادي "هارولد أنيس" ويعتبر "ماكلوهان" من أشهر مثقفي النصف الثاني من القرن العشرين.
(فؤاد، 2014- 116).
تعد هذه النظرية من النظريات الحديثة التي تناولت دور وسائل الاتصال وطبيعة تأثيرها على مختلف المجتمعات، وذلك أن الاختراعات التكنولوجية تؤثر تأثيرا أساسيا على المجتمعات.
تعتبر نظرية مارشال ماكلوهان التي ظهرت قبل نجو خمسين عاما، وما تزال حتى اليوم أكثر النظريات الإعلامية انتشارا ووضوحا في الربط بين الرسالة والوسيلة الإعلامية والتأكيد على أهمية الوسيلة في تحديد نوعية الاتصال وتأثيره حيث يرى ماكلوهان أن الوسيلة هي الرسالة.
وقد قسم ماكلوهان تطور الاتصال إلى أربع مراحل تعكس في رأيه التاريخ الإنساني وهي:
1. المرحلة الشفوية: أي مرحلة ما قبل التعلم، وهي المرحلة التي كانت تعتمد على الاتصال الشفهي والتي استغرقت معظم التاريخ البشري.
2. مرحلة الكتابة: التي ظهرت في اليونان القديمة واستمرت ألف عام.
3. مرحلة وعصر الطباعة: التي ابتدأت من عام 1500 إلى 1900م تقريبا.
4. مرحلة وسائل الإعلام الإلكترونية: التي ابتدأت من عام 1900 تقريبا حتى الوقت الحاضر.
• فرضيات نظرية الحتمية التكنولوجية
1. الوسيلة هي الرسالة:
يرفض “ماكلوهان” نقاد وسائل الإعلام الذين يدعون أو وسائل الإعلام الجديدة ليست في حد ذاتها جيدة أو
رديئة، لكن الطريقة التي تستخدم بها هذه الوسيلة أو الوسائل هي التي ستحد أو تزيد من فائدتها، يقترح “ماكلوهان” بدلا من ذلك أنه علينا أن نفكر في طبيعة وشكل وسائل الإعلام الجديدة، فمضمون التلفزيون الضعيف ليس له علاقة بالتغييرات الحقيقية التي يسببها التلفزيون كذلك قد يتضمن الكتاب مادة تافهة أو كلاسيكية ولكن ليس لها دخل بعملية قراءته، فالرسالة الأساسية في التلفزيون هي التلفزيون نفسه (العملية نفسها). كما أن الرسالة الأساسية في الكتاب هي المطبوع فالرأي الذي يقول أن وسائل الإعلام أدوات يستطيع الإنسان أن يستخدمها في الخير أو الشر، رأي تافه عند “ماكلوهان”.
ويلخص هذه الرسالة بالقول بأن ليس مهما المضمون التي تحمله وسيلة الاتصال وإنما الوسيلة هي المهمة، لأن الوسيلة هي التي تشكل طابع الاتصال، مثلا المصباح الكهربائي كان الناس سابقا يجلسون في الظلام قبل اختراع المصباح الكهربائي لكن بعد اختراع المصباح الكهربائي أصبح هذا المصباح وسيله لجمع الناس للاتصال فيما بينهم.
ويقول بأن الوسيلة الإعلامية سواء كانت راديو أو تلفاز هي المهمة لأنها تشكل طبيعة المجتمع ويقول بأن الناس ينتمون لوسيلة ما فهناك من يميل لوسيلة التلفزيون، فتجدهم يتعصبون لهذه الوسيلة حبا لها وليس للمضمون الذي تلقيه وليس مهما ما تنقله. موقع إلكتروني رقم (2).
2. القرية العالمية:
من الناحية السياسية يرى “ماكلوهان” أن وسائل الإعلام الجديدة تحول العالم إلى قرية عالمية تتصل في
إطارها جميع أنحاء العالم ببعضها مباشرة، كذلك تقوى تلك الوسائل الجديدة العودة للقبلية في الحياة الإنسانية،
فعالمنا أصبح عالما من نوع جديد توقف فيه الزمن واختفت فيه المساحة لهذا بدأنا مرة أخرى في بناء شعور بدائي ومشاعر قبلية، كانت قد فصلتنا عنها قرون قليلة من التعليم، علينا الآن أن ننقل تأكيد انتباهنا من الفعل إلى رد الفعل، ويجب أن تعرف الآن نتائج أي سياسة أو أي عمل، حيث أن النتائج تحدث أو يتم تجربتها بدون تأخير وبسبب سرعة الكهرباء لم نعد نستطيع أن ننتظر ونرى ولم تعد الوسائل البصرية المجردة في عامل الاتصال الكهربائي السريع صالح لفهم العالم، فهي بطيئة جدا مما يقلل فاعليته. موقع إلكتروني رقم (3).
3. الوسائل الساخنة والوسائل الباردة:
الوسيلة “الساخنة” هي الوسيلة التي لا تحافظ على التوازن في استخدام الحواس أو الوسيلة التي تقدم المعنى مصنوعا جاهزا إلى حد ما، مما يقلل احتياج الفرد للخيال لكي يكون صورة للواقع من العلاقات التي تقدم إليه.
أما الوسيلة “الباردة” فهي الوسيلة التي تحتاج إلى أن تحافظ على التوازن بين الحواس، وتحتاج لقدر كبير من
الخيال. موقع إلكتروني رقم (4).
ويقصد بالأولى: هي الوسائل الجاهزة المحددة نهائيا فلا يحتاج من المتلقي بذل جهد أو مشاركة أو معايشة، مثل: الطباعة والإذاعة والسينما.
ويقصد بالثانية: التي تتطلب من المستقبل جهدا إيجابيا في المشاركة والمعايشة والاندماج فيها مثل:
الكتابة والهاتف والتلفزيون. (فؤاد، -2014-115).
• الانتقادات لهذه النظرية
1. ما قاله رايموند وليميز أن الإنسان هو الذي يطور التقنيات التي تحدث تغيرا في المجتمعات، بينما نظرية ماكلوهان تقول بأن هذه التقنيات هي تغير المجتمعات.
2. أن وسائل الاتصال المتوفرة بين أيدي الناس حاليا قلصت بشكل كبير من متابعة وسائل الاتصال مثل الراديو والتلفزيون بحيث أن تأثيرها أصبح محدودا مع الإقرار بأن وسيلة الاتصال تأثير ما على المجتمعات إلا أن هذه التأثير يبقى محدودا مثال على ذلك إذا بقي التلفزيون مغلقا ولم يفتح ما التأثير الذي يمكن أن يحدثه على المجتمع. موقع إلكتروني رقم (2).
3. يشير "ريتشارد بلاك" إلى أن القرية العالمية لم يعد لها وجود حقيقي في المجتمع المعاصر، موضحا أن التطور التقني الذي استند إليه “ماكلوهان” عند وصفه للقرية العالمية استمر في مزيد من التطور، وأدى إلى تحطيم هذه القرية العالمية وتحوليها إلى شظايا، مبينا أن العالم الآن أقرب ما يكون إلى البناية الضخمة التي تضم عشرات الشقق السكينة يقيم داخلها أناس كثيرون، وكل منهم يعيش في عزلة ولا يدري عن جيرانه الذين يقطنون معه في البناية. (فؤاد، 2014م – 116).