نــظـــريات الاتـصـال والإعـــلام (الجزء الثالث والأخير)
نــظـــريات الاتـصـال والإعـــلام (الجزء الثالث والأخير)
4- نظرية الغرس الثقافي:
تعتبر نظرية الغرس الثقافي إحدى أكبر النظريات التي تتعامل مع أثر وسائل الإعلام على الفرد والمجتمع من زاوية واسعة جدا لأنها تأخذ في حسابها (القيم الثقافية) أثناء تحليلها للأثر الذي تحدثه وسائل (الإعلام والمحتويات الإعلامية (وتعتبر هذه النظرية من أكبر النظريات التي اهتمت بتفسير ظاهرة العنف الإعلامي ودور الإعلام في معالجته وهو من الأسباب الرئيسية التي ساهمت في ظهور النظرية.
يعود ظهور نظرية الغرس الثقافي إلى نهاية الستينات وبداية السبعينات كمنظور جديد لدراسة أثر وسائل الإعلام في الولايات المتحدة إثر الهاجس المتصاعد حول تأثيرات العنف التلفزيوني ومبادرة الحكومة الفيدرالية إلى توضيح الموضوع حيث شكل الرئيس جونسون لجنة تضطلع لمعرفة أسباب العنف وكيفية اتخاذ تدابير وقائية ضده وبذلك تم توجيه الباحث إلى القيام بدراسات مستفيضة حول كمية العنف وشكله في وسائل الإعلام والتلفزيون خاصة، وبذلك بدأت جهود بعض العملاء تتوجه نحو دراسة هذا الأثر الإعلامي للتلفزيون، ومن أكبر الباحثين الذين طوروا هذا المنظور الباحث الأمريكي جورج جربنر من خلال مشروعه GERBNER الخاص بالمؤشرات الثقافية cultural indicators ويهدف هذا المشروع إلى إقامة الدليل الأمبريقي على تأثير وسائل الإعلام على البيئة الثقافية.
وعكف جربنر ومعاونوه على وضع استراتيجية ميدانية لدراسة رواكز العنف التلفزيوني على معتقدات الأفراد وعلى صياغة نموذج نظري حول هذا الموضوع، استمر عمل الفريق لمدة أعوام عديدة حيث كان ينشر تقريرا علميا شاملا في نهاية كل عام من البحث، وجاء في تقارير جربنر ومعاونوه أن الواقع الإعلامي يمكن أن يمارس تأثيرا على المعتقدات وبالتالي على السلوك ووصفت التقارير هذه الآلية تشكل تيار مهيمن "Mainstreaming" ) فيما يتعلق بالتلفزيون.
• اهتمت بحوث جربنر بثلاث قضايا متداخلة هي:
-1 دراسة الهياكل والضغوط والعمليات: التي تؤثر على إنتاج الوسائل الإعلامية.
-2 دراسة الوسائل والقيم والصور الذهنية التي تعكسها وسائل الإعلام.
-3 دراسة الإسهام المستقل للرسائل الجماهيرية على إدراك الجمهور للوقائع الاجتماعي.
- فرضية النظرية :
تفترض هذه النظرية أن تأثير التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى على الجمهور تفترض أنه كلما يقضي الناس وقتا أطول في التعرض لوسائل الإعلام فإنه يتشابه إدراكهم للواقع الاجتماعي مع ما تعرضه وسائل الإعلام.
وهذه الصور والأفكار المقدمة غالبا ما تختلف عن بيانات العالم الحقيقي، وعلى ذلك يدرك الذين يتعرضون لوسائل الإعلام لفترات طويلة للعالم بشكل مختلف عما يدركه الذين يتعرضون بدرجة أقل لتلك (الوسائل).
كما تعتبر نظرية الغرس الثقافي من النظريات التي تؤثر على المدى البعيد في ثقافة الجمهور.
الركائز التي تقوم عليها النظرية هي:
أولا: التلفزيون وسيلة متميزة عن وسائل الإعلام الأخر:
إن التلفزيون وسيلة متميزة عن كل وسائل الإعلام الأخرى فهو الوسيلة الوحيدة التي تدخل البيوت لمدة تزيد عن 7 ساعات يوميا، فهو ذو قدرة على جذب الكبار والصغار حول شاشته، ويجمع بين الصوت والصورة، بين اللون والحركة هذا كله يجعله بيئة من أحسن البيئات الأكثر ثباتا وشيوعا فهو الموزع الأساسي للصورة الذهنية.
ثانيا: المضامين الإعلامية كنظام متجانس في ثقافة المجتمع:
يرتبط الغرس الثقافي كعملية ثقافية بإطار متماسك من المعلومات ومعاني المفاهيم العامة التي غرسها من خلال التعرض الكلي إلى العالم الذي يرسمه التلفزيون أكثر من التعرض إلى برامج منفردة أو منتقاة حيث يشاهد كثيفو المشاهدة خليطا من البرامج أكثر من قليلي المشاهدة بغض النظر عن مستويات تفضيلهم، وذلك ينتجه التشابه والتوحد في الأفكار والعناصر الدرامية التي يقدمها التلفزيون بشكل عام، فالتنوع في شكل البرامج أو بالأفكار أو الصور العامة التي تقدمها البرامج ككل، حيث يهتم عالم التلفزيون ببناء الأفكار ونماذج التفاعل الاجتماعي، وتقديم النماذج الاجتماعية ليعبر عن الثبات، الاستقرار والتماسك في الحياة والعالم، وهذا هو أساس هدف عملية التحليل الثقافي.
ثالثا: الغرس الثقافي مرهون بالمضامين الإعلامية:
تعكس أسئلة المسح المستخدمة في بحوث الإنماء الثقافي الاتجاه السائد الذي تجسده رسائل التلفزيون كجماعات ضخمة من المشاهدين، وعلى فترات متباعدة، أما استخدام المعلومات التي تقيس أفضليات المشاهدة، أو مقاربة إجابات المبحوثين عن تفضيل هذا أو ذاك من البرامج بدلا من قياس حجم المشاهدة الكلية قد يؤدي إلى نتائج غامضة أو مضللة، ولذلك يجب أن تتجه الأسئلة نحو اعتبارات الواقع الحقيقي، ويسمى ذلك المطلب الأول للإنماء وهو يكشف عن نتائج مهمة ومشوقة.
كذلك توجد أهمية موازية للعالم الرمزي الذي يعكسه التلفزيون، ويسمى ذلك بالمطلب الثاني للإنماء.
رابعا: تحليل الغرس يركز على إسهام التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى في صياغة تفكير الجمهور واتجاهاته نحو القضايا المختلفة.
إن المهمة الرئيسية لتحليل الغرس هي تحديد إلى أي مدى يمكن لرسالة معينة أن تسهم في تكوين معتقدات الواقع الاجتماعي لدى الأفراد، بطريقة تتفق مع معظم القيم والأعراف المتكررة، وكذلك الصور الذهنية التي تتضمنها هذه الرسائل، فتحليل الغرس يركز على إسهامات التلفزيون عبر الزمن في صياغة تفكير الغالبية العظمى، وبمعنى آخر تحقيق الانسجام بين أفراد المجتمع ككل، وتعمل وسائل الإعلام على تكوين تصورات الجمهور من خلال عملية التعرض التراكمي عبر فترة زمنية طويلة.
خامسا: تزيد المستحدثات التكنولوجية الحديثة من وصول الرسائل التلفزيونية إلى الجمهور:
يرى جربنر أن نظر التلفزيون السلكي والمحطات المستقلة والفيديو قد أعطتا المشاهدين قدرا أكبر من التحكم في تلقي البرامج، وأن التعرض لهذه الوسائل قد يحل محل قراءة الجريدة أو الذهاب للسينما، ولا يمكن أن يحل محل التعرض للتلفزيون.
سادسا: تحليل الغرس يرتكز على النتائج الخاصة بشيوع الاستقرار والانسجام بين أفراد المجتمع.
- نقد النظرية:
لقد تعرضت نظرية الغرس لانتقادات حادة وأثارت نقاشات مطولة بين علماء الإعلام، وأبدى العديد منهم تحفظاته على هذا النموذج، ويمكن أن ندرج أهم الانتقادات فيما يأتي:
-1 تداخل فرضيات النظرية مع غيرها من النظريات الأخرى.
-2 الغموض في تفسير متغير الوسيلة والجمهور:
-3 هذه النظرية لم تستطع أن تنشئ علاقة بين التعرض الكثيف للتلفزيون والخوف من العنف بالرغم من أن الاثنين يرتبطان، لكن التداخل والتفاعل بينها ليس كبيرا ليمكن الباحثين من التنبؤ بوجود خوف شديد على ضوء معرفة درجة كثافة المشاهدة فالعلاقة هنا غير وطيدة.
-4 انتقد هيرش جربنر وزملائه لعدم تحري الدقة في تحليل البيانات التي حصلوا عليها وتقسيم الجمهور إلى كثيفي المشاهدة وقليلي التعرض، وذلك لعدم مقدرتهم على السيطرة على مصادر الاختلافات (الخارجية (.
(ناصر – 2009-2010-31-38).
5 - نظرية الفجوة المعرفية (تشينور ودونو وأولين 1970م).
أظهرت الكثير من الدراسات أن وسائل الإعلام تقوم بدور فعال في التغلب على كثير من المعوقات والمشكلات
المرتبطة بالمجتمع، على اعتبار أنها تساهم في توحيد جهود الأفراد وتعمل على تشجيع الجمهور على المساهمة في
التطوير والإقلال من التوتر الاجتماعي. وفي المقابل شككت بعض الدراسات التي تم إجراؤها خصوصًا في الأربعينيات
من القرن المنصرم في صحة هذا الاعتقاد، حيث أشارت إلى أن وسائل الإعلام لا تنجح دائمًا في نقل المعلومات إلى
جميع فئات المجتمع بنفس الدرجة، وأن هناك مجموعة من الأفراد تبقى غير واعية تمامًا بالمعلومات وتشير هذه الدراسات إلى اختلاف اكتساب المعلومات بين الأفراد، وذلك وفقًا لمتغيرات وظروف معيّنة يجب أن تؤخذ في الحسبان وذلك مثل مستوى التعليم أو مستوى اهتمام الأفراد أو مستوى الخلفية المعرفية لديهم، ولا تقلل تلك الدراسات من قدرة وسائل الإعلام على نقل المعلومات ولعلّ ذلك كان بداية ظهور فكرة نظرية فجوة المعرفة، التي تقوم على أساس وجود فجوة معرفية بين فئات الجمهور المختلفة حول القضايا المختلفة باختلاف العديد من المتغيرات.
ظهرت هذه النظرية بعد رصد نتائج بحوث عديدة أشارت إلى أن قطاعات الجمهور المختلفة تحظى بقدر متوازن في الحصول على المعلومات المتدفقة من وسائل الاتصال الحديثة.
• فرضية النظرية: -
وتعتمد هذه النظرية على الفرض التالي: يؤدي تدفق المعلومات من وسائل الإعلام داخل النظام الاجتماعي إلى جعل فئات الجمهور ذوي المستوى الاقتصادي الاجتماعي المرتفع يكتسبون هذه المعلومات بمعدلات أسرع من الفئات ذوي المستوى الاقتصادي الاجتماعي المنخفض، وبالتالي تتجه فجوة المعرفة بين فئات الجمهور المختلفة إلى الزيادة بدلاَ من النقصان.
وقد أيدت بحوث عديدة صحة هذه الفرضية في الولايات المتحدة الأمريكية، وأمريكا وأوروبا، وأمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط، حيث أشارت إلى أن العوامل الاقتصادية الاجتماعية هي المحدد الرئيسي لاكتساب الجمهور للمعرفة.(عبدالله – 2017-33)
• مبررات نظرية فجوة المعرفة
1. تميز ذوي المراكز الاجتماعية والاقتصادية العليا بإمكانات أحسن من غيرهم في مجال الاتصال، والتعليم، والقراءة، والفهم، وتذكر المعلومات.
2. تميزهم بسهولة أكبر في تخزين المعلومات أو في تذكر شكل موضوع المعارف الأساسية.
3. ملائمة محيطهم الاجتماعي.
4. انتقائهم للمعلومات وتعرضهم لها يعتبر أحسن وذلك بقبولها والاحتفاظ بها.
5. طبيعة وسائل الإعلام توحي بأنها أعدت خصيصا لذوي المراكز الاجتماعية والاقتصادية العليا. (المزاهرة - 2014- 94).