طبيعة عمليات التعلم الإنساني في ضوء النظرية الاتصالية

طبيعة عمليات التعلم الإنساني في ضوء النظرية الاتصالية

طبيعة عمليات التعلم الإنساني في ضوء النظرية الاتصالية (نظرية الاتصال)، النظرية الاتصالية في التعليم، بحث حول النظرية الاتصالية، النظرية التواصلية في التعليم، سيمنز

طبيعة عمليات التعلم الإنساني في ضوء النظرية الاتصالية (نظرية الاتصال)

افتراضات النظرية الاتصالية:

تفترض النظرية الاتصالية أن العصر الحالي هو عصر قائم بالأساس على المعرفة في كل شئون الحياة؛ ولهذا فالفرد محتاج للمعرفة باستمرار طيلة حياته ولا يقتصر ذلك على مجرد مرحلة التعليم الرسمي كما أن الفرد يضطلع أيضاً بدور هام في إنتاج المعرفة ولا يعد مجرد متلقي سلبي لها (Siemens, 2008a). وهذه المعرفة لازمة للأداء العملي الناجح في كل المجالات. وتتسم المعرفة في العصر الحالي – خلافاً لمراحل زمنية سابقة – بأنها ذات كم ضخم جداً وبينية التخصصات بمعنى أنه لكي يكتسب الفرد المعرفة في تخصص ما يلزمه الإلمام بالمعارف في عدة مجالات أخرى. ويترتب على ذلك عدم قدرة المتعلم الفرد على معالجة كل المعارف التي يحتاجها وتكوين معنى لها بمفرده. ونظراً لذلك؛ يكون على المتعلم الانخراط طيلة حياته في شبكات networks للتعلم لتحقيق هدفين في آن واحد وهما: التعلم وإنتاج المعرفة.

والشبكة في إطار النظرية الاتصالية مفهوم بسيط يتألف من عدة نقاط التقاء nodes واتصالات بين هذه النقاط connections (Siemens, 2005). أما نقاط الالتقاء فهي قد تكون أفراد مثل المتعلمين الآخرين أو خبراء في مجالات معرفية معينة أو معلمين. وهناك نقاط التقاء أخرى غير بشرية مثل مصادر معلومات معينة كالكتب الدراسية أو قواعد البيانات, أو مواقع على الويب أو مدونات لأفراد آخرين أو مواقع خدمات تفاعلية مثل محررات الويكي أو برنامج للدردشة.

كما تُعتبر الأفكار, والمشاعر, والبيانات والمعلومات الجديدة نقاط التقاء. ومجموع نقاط الالتقاء معاً يكّون شبكة (Siemens, 2005). والاتصالات connections بين نقاط الالتقاء قد تتمثل في عدة أشكال مثل التفاعل بين مجموعة من المتعلمين, أو إضافة المتعلم لبعض التعليقات في مدونة, أو قراءة المتعلم للمحتوى الأساسي لمقرر دراسي معين... وهكذا.

ويجب الإشارة إلى أن مفهوم نقاط التقاء nodes في إطار النظرية الاتصالية مفهوم واسع ومرن ويمكن أن يتسع ليشمل " شبكات أخرى " تمثل في مجملها نقطة التقاء واحدة على شبكة أخرى أكبر. فعلى سبيل المثال, لو تناولنا مجتمع ما من المتعلمين, فإن هذا المجتمع يعد شبكة تعلم ثرية تتألف من مجموعة متعلمين أفراد كل منهم – في حد ذاته – يعتبر شبكة تعلم مكتملة يمكن أن تشمل الخبرات السابقة والمعالجات المعرفية والذاكرة و... الخ . كما تتسم نقاط الالتقاء بالاستقلالية؛ فمن الممكن أن تتواجد نقطة التقاء ما على شبكة معينة حتى ولو لم تكن موصلة – بقوة – بباقي نقاط الالتقاء على الشبكة. ويمكن أن تتصرف كل نقطة التقاء بطريقتها الخاصة مستقلة عن الباقي (Siemens, 2005). ومتى تم تكوين شبكة ما, يمكن للمعلومات التدفق بين نقاط الالتقاء المختلفة, وكلما قوي الاتصال بين نقاط الالتقاء, كلما زادت سرعة تدفق المعلومات.

وفي ضوء النظرية الاتصالية فإن المتعلم يحتاج إلى الانخراط في شبكات التعلم وذلك لعدة اعتبارات منها:
  1. عدم قدرة المتعلم بمفرده على معالجة جميع المعارف التي يحتاجها, وعدم قدرته على تكوين المعنى لكل هذه المعارف؛ ولهذا يعتمد على أفراد آخرين في القيام بجزء من هذه المهمة, فضلاً عن الاعتماد على بعض الأدوات غير البشرية مثل قواعد البيانات التي تقوم بجزء آخر من مهمات معالجة وتكوين المعنى للمعرفة. ولهذا فإن النظرية الاتصالية للتعلم توضح أن جزء هام من عملية التعلم ( وجوهرها تكوين المعنى ) يحدث خارج المتعلم وبذلك تختلف النظرية الاتصالية للتعلم مع النظريات السلوكية والمعرفية والبنائية التي تفترض أن التعلم بأكمله عملية تتم داخل المتعلم. ويمكن التعبير عن ذلك بمقولة بسيطة ولكنها معبرة " إني أخزن معرفتي لدى أصدقائي" (Siemens, 2004a).
  2. يحتاج المتعلم إلى معرفة حديثة وهو مجبر على ذلك وليس مخير؛ نظراً لأن المعرفة في العصر الراهن تتحدث باستمرار وما يصلح اليوم من المعرفة ربما لا يصلح بعد فترة وجيزة جداً. وبذلك فإن تحديث المعرفة هو الآخر يمثل جزء حيوي من عملية التعلم. ولكي يحدث المتعلم معرفته باستمرار ينبغي أن يكون المتعلم على اتصال دائم بشبكات متنوعة.
  3. التعلم – على اعتبار أنه عملية تلقائية التنظيم self-organized - تتطلب انفتاح معلوماتي بمعنى أنه يكون هناك تدفق حر للمعلومات, وأن تكون هناك روابط وثيقة بين مصادر المعلومات المختلفة, وهذا لن يتحقق إلا من خلال مشاركة المتعلم في شبكات التعلم (Siemens, 2004a).
  4. في ضوء الاتجاهات الحديثة التي تعتبر أن التعلم يتضمن إنتاج المعرفة, يقوم المتعلم بالمساهمة في إنتاج المعرفة, ويساعده اتصاله بالشبكات في مهمة إنتاج ومشاركة sharing المعرفة.
وفي ضوء ما تقدم تفترض النظرية الاتصالية للتعلم أن المتعلم يحتاج لأن يكون على اتصال دائم بشبكات التعلم المختلفة ويكون عليه أن يقوي اتصالاته وروابطه بهذه الشبكات. وفيما يلي ملخص لبعض خصائص التعلم في النظرية الاتصالية للتعلم: Siemens, 2006; Downes, 2007; Bessenyei, 2007; Kesim, 2008; Darrow, 2009))

  1.  يتضمن التعلم تعامل المتعلم مع كم كبير من المعلومات (نظراً للانفجار المعرفي الراهن)؛ وهو ما يترتب عليه أن تكون مهارات التقويم السريع للمعلومات بمثابة جزء لا يتجزأ من عملية التعلم. كما يحتاج المتعلم إلى القدرة على تركيب المعلومات والتعرف إلى الروابط بين المعلومات المختلفة. وبالتالي؛ تضع النظرية الاتصالية الاهتمام علي أهمية تعليم الطلاب كيفية البحث عن المعلومات، وترشيحها، وتحليلها وتركيبها بغية اكتساب المعرفة.
  2. التعلم عملية تحدث في بيئات غير واضحة المعالم تتبدل عناصرها المحورية باستمرار, وهي عملية ليست تحت سيطرة المتعلم الفرد بالكامل. كما يتسم التعلم – في ضوء النظرية الاتصالية –بعدم الترتيب messy والشواش chaotic, والتعاونية collaborative, والاجتماعية social,, والارتباط بين التعلم وبين الأنشطة والاهتمامات الأخرى لدى الفرد.
  3. يعد تحليل الشبكات الاجتماعية بمثابة أداة هامة لتقويم فاعلية التعلم في إطار النظرية الاتصالية.
  4. يتم توزيع المعرفة عبر شبكة من الاتصالات connections؛ ومن ثم فإن التعلم يتضمن القدرة على بناء هذه الشبكات والتعامل معها.
  5. يُنظر إلى التعلم علي أنه العملية التي يلعب فيها التبادل الغير رسمي للمعلومات، والمنظم من خلال الشبكات، والمدعم بالأدوات الإليكترونية دوراً أكثر أهمية من ذي قبل. وفي إطار هذه النظرية، يصبح التعلم بمثابة عملية مستمرة، ويتم اعتباره نظام من الأنشطة الشبكية التي تمتد مدي الحياة.
  6. التعلم ليس مجرد نشاط للعقل الإنساني فحسب بل إن جزء منه يقع خارج عقل المتعلم. وفي هذا الصدد يمكن أن يُنظر إلى التعلم في ضوء النظرية الاتصالية على أنه بناء شبكي يشمل عمليات داخل المتعلم وعمليات خارج المتعلم.
وعلى الرغم من انتقادات " سمنز" للنظريات الثلاث – وهي السلوكية والمعرفية والبنائية – إلا أنه يرى عدم استبعاد هذه النظريات كلية؛ نظراً لأنها مناسبة لتفسير بعض مهام التعلم التي تتطلب بيئات تعلم تتسم بدرجة أعلى من التنظيم والرسمية. ويوضح الجدول رقم (1) أهم الفروق بين النظريات السلوكية والمعرفية والبنائية والاتصالية.

جدول (1): مقارنة بين النظريات السلوكية والمعرفية والبنائية والاتصالية

بعد المقارنة

السلوكية

المعرفية

البنائية

الاتصالية

نموذج التعلم

الصندوق الأسود

النموذج الحاسوبي

نموذج البناء (تكوين أو بناء المعنى).

نموذج الشبكات والاتصالات

مكمن التعلم

يظهر من خلال السلوك

يعالج في عقل المتعلم

يتم بناءه داخل عقل المتعلم

موزع في أنواع متعددة من الشبكات

أبرز العوامل المؤثرة في التعلم

طبيعة المثيرات والتعزيز والعقاب

الصور العقلية التي لدى المتعلم, والخبرات السابقة

انخراط المتعلم, ومشاركته, والعوامل الاجتماعية والثقافية

تنوع شبكات التعلم, وقوة الارتباط بشبكات التعلم.

دور الذاكرة

الخبرات المكررة عدة مرات

ترميز وتخزين واسترجاع المعلومات

إعادة دمج المعرفة السابقة مع المعرفة المتوافرة في سياق التعلم

يوجد جزء هام من الذاكرة في شبكات التعلم.

كيفية انتقال أثر التعلم

المثير والاستجابة

مضاعفة البنى المعرفية للمتعلم

التطبيع والتنشئة الاجتماعية

الاتصال بنقاط الالتقاء في شبكات التعلم, وتنمية شبكة التعلم.

أفضل أنواع التعلم الذي تفسره النظرية

التعلم القائم على المهمة

- الاستدلال

- التعلم ذي الأهداف الواضحة.

- حل المشكلات

- التعلم الاجتماعي

- التعلم الغير محدد جيداً.

Ill-defined

 

التعلم المعقد والسريع التغير, والمعتمد على مصادر معرفية متنوعة.


مقتبس بتصرف من: (Hamburg, Engert, & Petschenka, 2007) و Siemens, 2008a))

وتعد الأفكار الرئيسية للنظرية الاتصالية التي صاغها " سيمنز" (Siemens, 2004a) مشابهة للأفكار الرئيسية التي قامت عليها النظرية الترابطية Connectionism. ويوضح كلا من " سيمس وجوجفيا " (Simões & Gouveia, 2008) الفارق بين النظرية الاتصالية والنظرية الترابطية Connectionism بأن النظرية الترابطية قد برهنت على فاعليتها كنظرية تشرح طبيعة العمليات المعرفية الموزعة distributed cognition على المستوى الفردي, أما النظرية الاتصالية فهي تفسر كيفية توزيع المعرفة خلال شبكة تتضمن المتعلمين والتقنيات والأدوات الغير البشرية ( ولا تقتصر فقط على المعرفة الموزعة داخل دماغ المتعلم كما هو الحال في النظرية الترابطية ).

المرجع/ 
الغامدي، حنان علي أحمد آل كباس. مبادئ التصميم التعليمي الإلكتروني في ضوء النظرية الاتصالية، ورقة بحثية، ماجستير تقنيات تعليم

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-